فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي سبب وقوع المنازعة بينهما قولان:
أحدهما: أن هابيل كان صاحب غنم، وقابيل كان صاحب زرع، فقرب كل واحد منهما قربانًا، فطلب هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قربانًا، وطلب قابيل شر حنطة في زرعه فجعلها قربانًا، ثم تقرب كل واحد بقربانه إلى الله فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ولم تحمل قربان قابيل، فعلم قابيل أن الله تعالى قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه فحسده وقصد قتله، وثانيهما: ما روي أن آدم عليه السلام كان يولد له في كل بطن غلام وجارية وكان يزوج البنت من بطن الغلام من بطن آخر، فولد له قابيل وتوأمته، وبعدهما هابيل وتوأمته، وكانت توأمة قابيل أحسن الناس وجهًا، فأراد آدم أن يزوجها من هابيل، فأبى قابيل ذلك وقال أن أحق بها، وهو أحق بأخته، وليس هذا من الله تعالى، وإنما هو رأيك، فقال آدم عليه السلام لهما: قربا قربانًا، فأيكما قبل قربانه زوجتها منه، فقبل الله تعالى قربان هابيل بأن أنزل الله تعالى على قربانه نارًا، فقتله قابيل حسدًا له.
والقول الثاني: وهو قول الحسن والضحاك: أن ابنى آدم اللذين قربا قربانًا ما كان ابني آدم لصلبه، وإنما كانا رجلين من بني اسرائيل.
قالا: والدليل عليه قوله تعالى في آخر القصة: {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا على بَنِى إسراءيل أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جميعًا} [المائدة: 32].
إذ من الظاهر أن صدور هذا الذنب من أحد ابنى آدم لا يصلح أن يكون سببًا لإيجاب القصاص على بني إسرائيل، أما لما أقدم رجل من بني إسرائيل على مثل هذه المعصية أمكن جعل ذلك سببًا لإيجاب القصاص عليهم زجرًا لهم عن المعاودة إلى مثل هذا الذنب.
ومما يدل على ذلك أيضًا أن المقصود من هذه القصة بيان إصرار اليهود أبدًا من قديم الدهر على التمرد والحسد حتى بلغ بهم شدة الحسد إلى أن أحدهما لما قبل الله قربانه حسده الآخر وأقدم على قتله، ولا شك أنها رتبة عظيمة في الحسد، فإنه لما شاهد أن قربان صاحبه مقبول عند الله تعالى فذلك مما يدعوه إلى حسن الاعتقاد فيه والمبالغة في تعظيمه، فلما أقدم على قتله وقتله مع هذه الحالة دل ذلك على أنه كان قد بلغ في الحسد إلى أقصى الغايات، وإذا كان المراد من ذكر هذه القصة بيان أن الحسد دأب قديم في بني إسرائيل وجب أن يقال: هذان الرجلان كانا من بني إسرائيل.
واعلم أن القول الأول هو الذي اختاره أكثر أصحاب الأخبار، وفي الآية أيضًا ما يدل عليه لأن الآية تدل على أن القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلم ذلك من عمل الغراب، ولو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر، وهو الحق والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

واختلف في ابني آدم، فقال الحسن البصري: ليسا لصُلبه، كانا رجلين من بني إسرائيل ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود وكان بينهما خصومة، فتقرّبا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل.
قال ابن عطية: وهذا وَهْمٌ، وكيف يجهل صورة الدّفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ والصحيح أنهما ابناهُ لصلبه؛ هذا قول الجمهور من المفسرين وقاله ابن عباس وابن عمر وغيرهما؛ وهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حُزمة من سُنْبل لأنه كان صاحب زرع واختارها من أرْدإ زرعه، ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها.
وكان قربان هابيل كبشًا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمهِ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومعنى {ابني آدم} هنا ولداه.
وأمّا ابن آدم مفردًا فقد يراد به واحد من البشر نحو: «يَا بْن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتَني غَفَرْتُ لك»، أو مجموعًا نحو {يا بني آدم خذوا زينتكم} [الأعراف: 31]. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {بالحق} فيه وجوه:
الأول: بالحق، أي تلاوة متلبسة بالحق والصحة من عند الله تعالى.
والثاني: أي تلاوة متلبسة بالصدق والحق موافقة لما في التوراة والإنجيل.
الثالث: بالحق، أي بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد، لأن المشركين وأهل الكتاب كانوا يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبون عليه.
الرابع: بالحق، أي ليعتبروا به لا ليحملوه على اللعب والباطل مثل كثير من الأقاصيص التي لا فائدة فيها، وإنما هي لهو الحديث، وهذا يدل على أن المقصود بالذكر من الأقاصيص والقصص في القرآن العبرة لا مجرد الحكاية، ونظيره قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِى الألباب} [يوسف: 111]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والباء في قوله: {بالحقّ} للملابسة متعلِّقًا بـ {اتْلُ}.
والمراد من الحقّ هنا الصدق من حقّ الشّيء إذا ثبت، والصدق هو الثّابت، والكذب لا ثبوت له في الواقع، كما قال: {نحن نقصّ عليك نبأهم بالحقّ} [الكهف: 13].
ويصحّ أن يكون الحقّ ضدّ الباطل وهو الجدّ غير الهزل، أي اتْلُ هذا النبأ متلبّسًا بالحقّ، أي بالغرض الصّحيح لا لمجرد التفكّه واللّهو.
ويحتمل أن يكون قوله: {بالحق} مشيرًا إلى ما خفّ بالقصة من زيادات زادها أهل القصص من بني إسرائيل في أسباب قتل أحد الأخوين أخاه. اهـ.

.قال الفخر:

تقدير الكلام وهو قوله: {إِذْ قَرَّبَا قربانا} قرب كل واحد منهما قربانا إلا أنه جمعهما في الفعل وأفرد الاسم، لأنه يستدل بفعلهما على أن لكل واحد قربانا.
وقيل: إن القربان اسم جنس فهو يصلح للواحد والعدد، وأيضًا فالقربان مصدر كالرجحان والعدوان والكفران والمصدر لا يثنى ولا يجمع. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله تعالى: {إِذْ قَرَّبَا قربانا} ظرف لنبأ، وعمل فيه لأنه مصدر في الأصل، والظرف يكفي فيه رائحة الفعل، وجوز أن يكون متعلقًا بمحذوف وقع حالًا منه، ورد بأنه حينئذ يكون قيدًا في عامله وهو {اتل} المستقبل، و{إِذْ} لما مضى فلا يتلاقيان، ولذا لم يتعلق به مع ظهوره، وقد يجاب بالفرق بين الوجهين فتأمل.
وقيل: إنه بدل من {نَبَأَ} على حذف المضاف ليصح كونه متلوًا أي اتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت، ورده في «البحر» بأن {إِذْ} لا يضاف إليها إلا الزمان نحو يومئذ وحينئذ و{نَبَأَ} ليس بزمان، وأجيب بالمنع، ولا فرق بين {نَبَأَ} ذلك الوقت ونبأ {إِذْ} وكل منهما صحيح معنى وإعرابًا، ودعوى جواز الأول سماعًا دون الثاني دون إثباتها خرط القتاد، والقربان اسم لما يتقرب به إلى الله تعالى من ذبيحة أو غيرهما كالحلوان اسم لما يحلى أي يعطى، وتوحيده لما أنه في الأصل مصدر، وقيل: تقديره إذ قرب كل منهما قربانًا. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر}
قيل: كانت علامة القبول أن تأكله النار وهو قول أكثر المفسرين.
وقال مجاهد: علامة الرد أن تأكله النار، والأول أولى لاتفاق أكثر المفسرين عليه.
وقيل: ما كان في ذلك الوقت فقير يدفع إليه ما يتقرب به إلى الله تعالى، فكانت النار تنزل من السماء فتأكله. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَتُقُبِّلَ} فَرُفِع إلى الجنّة، فلم يزل يرعى فيها إلى أن فُدِي به الذبيح عليه السلام؛ قاله سعيد بن جُبَير وغيره.
فلما تُقبل قربان هابيل لأنه كان مؤمنًا قال له قابيل حسدًا: لأنه كان كافرًا أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل منيا؟ {لأَقْتُلَنَّكَ}.
وقيل: سبب هذا القُرْبان أن حوّاء عليها السلام كانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى إلاّ شيثًا عليه السلام فإنها ولدته منفردًا عوضًا من هابيل على ما يأتي، واسمه هبة الله؛ لأن جبريل عليه السلام قال لحوّاء لما ولدته: هذا هبة الله لك بدل هابيل.
وكان آدم يوم ولد شِيث ابن ثلاثين ومائة سنة وكان يزوّج الذكر من هذا البطن الأنثى من البطن الآخر، ولا تحل له أخته تَوْءمته؛ فولدت مع قابيل أختًا جميلة وآسمها إقليمياء، ومع هابيل أختًا ليست كذلك وآسمها ليوذا؛ فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره آدم فلم يأتمر، وزجره فلم ينزجر؛ فاتفقوا على التقريب؛ قاله جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود.
وروى أن آدم حَضَر ذلك.
والله أعلم.
وقد روي في هذا الباب عن جعفر الصادق: أن آدم لم يكن يزوّج ابنته من ابنه؛ ولو فعل ذلك آدم لما رغب عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان دين آدم إلا دين النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى لما أهبط آدم وحوّاء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتًا فسماها عناقًا فبغت، وهي أوّ ل من بَغَى على وجه الأرض؛ فَسَلط الله عليها من قتلها، ثم ولدت لآدم قابيل، ثم ولدت له هابيل فلما أدرك قابيل أظهر الله له جنيَّة من ولد الجن، يُقال لها جمالة في صورة إنسيَّة، وأوحى الله لآدم أن زوجها من قابيل فزوجها منه؛ فلما أدرك هابيل أهبط الله إلى آدم حُورِية في صفة إنسية وخلق لها رحمًا، وكان اسمها بزلة، فلما نظر إليها هابيل أحبها؛ فأوحى الله إلى آدم أن زوّج بزلة من هابيل ففعل.
فقال قابيل: يا أبت ألستُ أكبر من أخي؟ قال: نعم.
قال: فكنت أحق بما فعلت به منها فقال له آدم: يا بني إن الله قد أمرني بذلك، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء؛ فقال: لا والله ولكنك آثرته علي.
فقال آدم: «فقرِّبا قربانًا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بالفضل».
قلت: هذه القصة عن جعفر ما أظنها تصح، وأن القول ما ذكرناه من أنه كان يزوّج غلام هذا البطن لجارية تلك البطن.
والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] وهذا كالنص ثم نسخ ذلك، حسبما تقدّم بيانه في سورة «البقرة».
وكان جميع ما ولدته حواء أربعين من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا؛ أولهم قابيل وتوءمته إقليمياء، وآخرهم عبد المغيث.
ثم بارك الله في نسل آدم.
قال ابن عباس: لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفًا.
وما روى عن جعفر من قوله: فولدت بنتًا وأنها بغت فيقال: مع من بغت؟ أمع جِني تسوّل لها! ومثل هذا يحتاج إلى نقل صحيح يقطع العذر، وذلك معدوم. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وإذ} ظرف زمان ل {نبأ}، أي خبرهما الحاصل وقت تقريبهما قُربانًا، فينتصب {إذ} على المفعول فيه.
وفِعْلُ {قرّبا} هنا مشتقّ من القُرْبان الذي صار بمنزلة الاسم الجامد، وأصله مصدر كالشُّكران والغفران والكُفران، يسمّى به ما يتقرّب به المرء إلى ربّه من صدقة أو نُسك أو صلاة، فاشتقّ من القرآن قرّب، كما اشتقّ من النُّسك نَسَكَ، ومن الأضحيّة ضَحَّى، ومن العقيقة عَقّ.